و اعلم بأن الحروف بالتسبب إلى التفخيم و الترقيق أربعة أقسام : مفخم مطلقا ؛ و هو حروف الإطباق الأربعة ، و مرقق مطلقا ؛ و هو سائر الحروف إلا الراء و اللام ، و ما أصله التفخيم و قد يرقق و هو الراء ، و ما أصله الترقيق و قد يفخم و هو اللام ، و ليبالغ القارئ فى تشديد الصراط غير مفرط ، و ليحرز تفخيم الألف لمجاورتها المفخم .
9_ وَ أَنْعَمتَ لاَ تَلْبَتْ بِنُونٍ وَ عَيْنِهَا فَأَنْعَمَ عَلَيهِمْ بَيِّنِ الهَا و اقْتَصِدِى
مما يفعله من لا تحقيق له أن يسكت على النون فى (انعمت) سكته لطيفه ؛ كأنه يريد بذلك إيضاح إظهارها و أنها لا غنة فيها و ذلك خطأ فلهذا قال (لا تلبث بنون) .
و قوله : (و عينها فانعم) قال بعض الأئمه /: إذا جاء حرف ( العين ) ساكنا أو متحركا أظهر بيانه أو أشبع (13) لفظه من غير شَرَه ولا تكلف ، و ليحذر تخشين لفظها كما يفعله بعضهم فى مثل (العالمين) ، و ليبين جهرها و إلا عادت (حاء) .
و قوله (عليهم بين الهاء) تقدم التنبيه على ضعف الهاء و خفائها فلذلك وجب التنبيه على بيانها و الاحتراز في أدائها .
10_ ولا تمدوا ياه كغير وغينه
فخف خاه كالمغضوب وأسكنه ترشدى
الضمير فى قوله (ياه) (لعليهم) وقصر الياء ضرورهة وانما لم تمد لانها حرف لين لامد فيه ، ولكنه قابل للمد اذا وجد سببه وهو الهمزه أو السكون .
وقوله : (وغينه) يعنى غين (غير) .
فخف (خاه) يعنى احذر تقريب لفظه من لفظ الخاء لأنها من مخرج واحد ، وكلاهما مستفل ، ةلاخاء حرف مهموس ، والغين مجهورة وبذلك يفترقان ، فاذا انطقت بالغين فبين جهرها والا عادت خاء لقرب ما بينهما .
وقوله : (كالمغضوب) أى كغير المغضوب فاحذر أن تشوبها بلفظ الخاء كما سبق .
وقوله : (واسكن) يعنى الغين فى المغضوب والمراد أن يبين اسكانه ويحترز عن بعض ما يفعله بعض الناس من الافراط فى النطق بها فيعتقد أنها متحرك . (14)
11_وللضاد كالضلال جوده فارقا
لمحجه روضه المتعبدى
أمر بتجويد ضاد (المغضوب) وضاد (الضالين) واليه اشار بقوله (كالضلال) اذا لم يمكنه ادخال لفظ (الضالين) فى نظم الشعر ، ومخرج الضاد من أقصى حافه اللسان وما يليها من الاضراس ،واخراجها من الجانب ايسر مع أن فى اخراجها من الجانبين صعوبه ، ولذلك قال سيبويه : أنها تتكلف من الجانبين . ويحكى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يخرجه من الجانبين ، ولا يخرج من مخرجه غيره ، وهو مما انفردت به لغات العرب ، وليس فى لغة غيرهم ، وكذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم : "أنا أفصح من نطق بالضاد" .
وأما صفات الضاد فانه مستفل مجهور ، ومطبق مفخم مستطيل فهذه صفات قوة ، وفيه من صفات الضعف الرخاوة .
ومعنى الاستطاله ، امداد صوته فى أول حافة اللسان الى اخرها حتى تقبل لمخرج اللام ، ولذلك ادغمت فيه اللام نحو (الضالين).
وقد جمع السخاوى - رحمه الله تعالى - صفات الضاد وقوته الا التفخيم فى قوله :-
والضاد عال مستطل مطبق جهر يكل لديه كل لسان
حاشا لسان بالفصاحه قيم ذرب لاحكام الحروف معانى (15)
وشارك الظاء الضاد فى الاستعلاء والجهر ولااطباق والتفخيم ولم يشاركه فى المخرج ، ولمشاركته فى هذه الصفات اشتد شبهه به وعسرت التفرقه بينهما ، واحتيج الى الرياضة التامه ، الى اشتراكهما فى اكثر الصفاتن اشار الناظم – رحمه الله تعالى – فى قصيدة له فى التجويد تسمى حدود الاتقان فقال:-
والضاد واطى الظاء فى اوصافه لا قربه فتعسر اللفظان
واذا راعى ما ذكرناه من مخرجه وصفاته حصل به المراد
12_ ولا تكسه لاما وظاءا وجوزته
لعاجز حال ضمن وجه معبدى
أشار لما كان الضاد قد استطال فى مخرجه حتى انقلب بمخرج اللام شابه لفظه لفظ اللام المفخمه فربما أخرجه كثير من الناس لاما مفخمه والى ذلك اشار السخاور – رحمه الله تعالى – بقوله :-
كم ران قوم فما أبدوا سوى لام مفخمه بلا عرفان
وقد تفدم بيان اشباهه بالظاء فلذلك قال : (ولا تسكته لاما وظاء) وقوله (وجوزته الى اخره …) مذهب مالك رحمه الله تعالى :- "ان من لايميز بين الظاء والضاد يتكنته تصح صلاته وقراءته وامامته ، فان امكنه ان يتعلم التميز بينهما فالظاهر انه غير معذور" .
ومشهور (16) مذهب الشافعى –رحمهالله تعالى- انه لو ابدل ضادا بظاء لم تصح ، وفيه وجه بالصحة ، وقال الشيخ محيى الدين النووى –رحمه الله تعالى- ولو أبدل ضادا بظاء لم يصح فى الاصح .
قال النتظم رحمه الله تعالى
14_ وضاعف لمد الها وللساكنين بل لعارضه اقصر أو توسط ومددى
الهاوى هو الالف سمى فى ذلك لانه اتسع مخرجه لهوا الصوت اشد من اتساع غيره . ومعنى (ضاعف) أى زد عليه مثله فيصير المد ألفين لجميع القراء ، وهو دون ما يمد للهمز فانه أطول مراتب المد للهمز مقدار ثلاث ألفات ، والى هذا أشار الناظم السخاوى رحمه الله تعالى ورضى الله عنه بقوله :-
والمد قبل المسكن دون ما قد مد للهمزات باستيقان
والمد للساكنين فى نحو (ولا الضالين)لازم وسمى مد الحجز وقوله : بل هو حرف اضراب ،وليس معنى الاضراب هنا ابطال ما تقدم وانما المراد به الاعلام بانتهاء غرض وابتداء اخر .
وقوله : (العارضه) يعنى للسكون العارض للوقف كسكون النون فى الضالين ، وميم فى الرحيم ، ونحن ذلك فيجوز فى المد الواقع قبل ما سكن للوقف ثلاثه أوجه المد والقصر والتوسط وذلك مقرر فى كتب القراءات فيكتفى بالاشاره اليه (17) .
15_ وللالفات رققا وتوسطا فى الحركات واحذر المط تسعدى
أمر بترقيق الالفات فى الفاتحه كالالف فى اسم الله (الرحمن الرحيم) وفى (العالمين) ، وكذا حكم الالفات من غير الفاتحه فان الالف لاحظ لها فى الفخيم .
وقوله : (توسطا فى الحركات) يعنى أنك تأتى بها محققه لا مختلسه ، ولا مشبعه جدا ، فانها اذا اشبعت نشأ من اشباع الفتحه ألف ، ومن اشباع الضمه واو ، ومن اشباع الكسره واو.
وكذلك قال : (واحذر المط) وخير الامور اوسطها ، وروى عن عبد الله بن صالح قال : قرأ أخ لى أكبر منى على حمزة ، فجعل يمد . فقال حمزه – أحد القراء – تفعل ، أما عملت انما فوق الجعودة فقط ، وما كان فوق البياض فهو برص ، وما كان فوق القراءة ، فلين بقراءة .
ويقال استعذ والله ، فيسعد ، وقذ يقال : سعده أيضا والاشهر أسعد
16_ وفى همزة عن القطع والوصل حفاظا على حكم اثبات وحذف فحددى
همزة القطع هى كل همزة تثبت وصلا وابتداءا كهمزة (اياك) وهمزة (أنعمت) .
وهمزة الوصل تثبت ابتداءا وتسقط وصلا ، كهمزات (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وما سوى همزة (اياك) وهمزة (أنعمت) من همزات الفاتحه فهمزة وصل كهمزة (اهدنا) .
وأعلم أن كل (18) همز افتتح بها فعل ماض زائد على اربعه أحرف أو الامر منه ، أ و مصدره ، أو الامر من فعل ثلاثى يسكن ثانى مضارعه فهى همزة وصل ، والهمزة المصاحبه للام التعريف همزة وصل ، والهمز أول الاسماء المصغره همزة وصل ، وما سوى ذلك فهمزته همزة قطع ، فهذا ضابط الهمزتيت وبسطه فى كتب العربيه .
وقوله : (على حكم اثبات) وحذف الاثبات لهمزة القطع ، والحذف لهمزة الوصل فهو من اللف والنشر .
17_ ويجزى وجه من وجوه خلافها تواتر نقلا فالاطلاق قيدى
أى يجزئ على قراءة وجه من وجوه خلاف الفاتحه بشرطين : توتر نقله (كملك ومالك) ، ولا تجزئ القراءة بالشاذ .
وقوله : (فالاطلاق قيدى) يعنى والله أعلم أن القراءات السبق على كلها وجد فيه الشرط وهو التواتر جازت القراءة به مطلقا كما أشار فى كتبه.
18_ وشدتها أربع عشرة الوقف كامل
ببدء الرحيم الذين والتو وتزددى
هذه العدة واضحه ، ون لم يعد البسنه فى الفاتحه قشداتها عنه احدى عشر شده .
وقوله : ( الوقف كامل) الكامل هو الذى يعبر عنه غيره بالتام ، ودونه الوقوف التامة فى الفاتحه اربعه .
أولها : الرحيم أخر البسمله ولهذا قيده باضافه بدء اليه .
والثانى : (19) ملك يوم الدين .
والثالث : واياك نستعين .
والرابع : اخرها .
والوقف على (نستعين) أتم من الوقف على (يوم الدين) كما قال أبو محمد العمانى .
وفيها من الوقوف الحسنه أربعه :-
(رب العالمين) ، و (الرحيم) الثانى ، (المستقيم) ، و (انعمت عليهم)
عند من جعله رأس ايه .
وانما جعلت هذه الاوقاف حسنه . وان كان فيها فصل بين التابع والمتبوع لأنها رؤس ايات ، والفواصل يغتفر فيها ذلك ، وان كان النبى لا يغتفى فى أثناء الايات ، لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقف عند أواخر الايات ، وروى الترمذى عن أم سلمة رضر الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عيله وسلم يقطع قراءته بقوله : الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم ثم يقف وكان يقرأ مالك يوم الدين قال حديث غريب وأخرجه أبو داود بنحوه .
19_ وسن ببدء عم سر تعوذ
وامين ناسب بعد خف اقصر امددى
أشار بقوله (وش) الى أن التعوذ عند ابتداء قراءة الفاتحة فى الصلاة مسنون .
وأشار بقوله (عم) الى أ، ذلك فى جميع فى جميع الركعات ولا نختص بالاولى ، وقال فى شرحه للشاطبيه : وعند الشافعى – رضى الله عنه – فى قراءة غير الاولى قولان : الاصح : نعم لطول الفصل ، والثانى : لا.
ومذهب مالك – رضى الله عنه – أنه لا يتعوذ فى الفريضه (20) وله أن يتعوذ فى النافله .
وأشار بقوله : (سر تعوذ) الى أنه يسر بالتعوذ ولو كان فى الجهريه وهو أحد الوجهين عند الشافعى ، وذكر فى الشرح أنه أصح الوجهين عند الاصحاب للشافعى .
وأما التعوذ فى غير الصلاة فالمشهور أ،ه تابع للقراءة ، وان جهرا فجهر ، وان سرا فسر .
وأما كيفيه لفظ التعوذ فمذكور فى كتب القراءات .
وقوله : (امين ناسب) بها الفاتحه فى الجهر والاسرار وقال أصحاب أبى حنيفه –رضى الله عنهم- اخفاء التأمين أولى لانه دعاء أجيب عن ذلك بأن اخفاء الدعاء انما كان أفضل لما يدخله فى الرياء .
وأما ما يتعلق بصلاة الجماعه فشعار ظاهر يندب العباد الى اظهاره وقد ندب الامام الى اشهار الفاتحه المشتمله على الدعاء والتأمين فى اخرها.
والتأمين على الدعاء تابع له وجار مجراه ، ومذهب مالك فى احدى الروايتين الجهر بها وهو مذهب الشافعى ، وروى عن مالك أنه يسر به
ولا هى أصح لحديث وائل*بن حجر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قرأ ولا ضالين قال امين يرفع بها صوته … أخرجه ابو داود والدرقطنى والله أعلم .
وقوله : (خف) يعنى خفف الميم ، قال ثعلب ، ولا تشدد الميم فانه خطأ.
وقاله الجوهرى . وقد روى عن الحسن وجعفر الصادق التشديد . وقال بعضهم : هومن (أم) (21) اذا قصد أى قاصدون اليك . وقد حكى القاضى عياض عن الداوودى (امين) بالمد والتشديد ، وقال انها لغه شاذة .
وقوله : ( اقصر امددى) اشاره الى اللغتين المشهورتين فى (امين) وهما المد والقصر . قال بعضهم : والقصر هو الاصل وذكر عن أبى على أن وزنه فعيل والمد للاشباع كقوله أقول ادخرت على كل كال لانه ليس من كلام العرب (افعيل) ولا (فاعيل) ولا (فعيل) ، وقيل المعروف فيه المد ، وحكى عن ابن درستويه أنكار القصر ، وقال : انما ذلك فى ضرورة الشعر قال أبو البقاء : وليس من الابنيه العربيه بل من العجميه كهابيل وقابيل .
ومعنى (امين) عن أكثر أهل العلم (اللهم استجب) فهو اسم فعل وروى عن أبى صالح عن ابن عباس رضى الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معنى (امين) قال : رب افعل . وقال قوم : هو فى اسماء الله تعالى . ورواه ابن عباس رضى الله عنه عن النبى صلى الله عيه وسلم ولم يصح ، قاله ابن العربى ، واعترص هذا القول بأنه لو كان اسمت من اسماء الله تعالى لكان مبنيا على الضم لانه منادى ، وفى الخبر : "لقننى جبريل فقال : امين عند فراغى منن فاتحه الكتاب".
وقال : "ان كالخاتم (22) على الكتاب وفى حديث اخر" : "امين خاتم رب العالمين" .
وبنى امين لوقوعه موقع فعل الامر ، أو لتضمنه لام الامر ، أو لشبهه بالحرف فى قوله (يعمل) ولا تأثير بالعوامل أقوال.
واسحب العلماء أن يسكت على نون ( ولا ضالين) قبل قوله (امين) ليتمز ما هو قران عما ليس بقران .
20_ وأول قسميها التعظيم ربنا وثان دعا العبد لله فاسندى
أشار بهذا البيت الى حديث الصحيح وهو ما أخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل ، فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين . قال : حمدن عبدى ، واذا قال العبد :الرحمن الرحيم قال الله : اثن ىعلى عبدى ، واذا قال : مالك يوم الدين . قال : مجدنى عبدى . واذا قال : اياك نعبد واياك نستعين قال : هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل . فاذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صلااط الذين انعمت عليهم عير المغضوب عليهم ولا ضالين . قال هذا لعبدى ولعبدى ما سأل .
فقوله سبحانه وتعالى : (قسمت الصلاه) يريد الفاتحة وسماها صلاة ، لان الصلاة لا تصح الا بها فجعل الثلاث ايات الأول لنفسه (23) سبحانه ، ثم قسم الايه الابعه فجعلها بينه وبين عبده لانها تضمنت بذلك العبد وطلب الاستعاذة وذلك يتضمن تعظيم الله ، ثم جعل الايات الثلاث تتمه السبع لعبده ومما يدل على أنها ثلاث ايات وقوله : (هو لا لعبدى) أخرجه مالك ولم يقل : (هاتان) فدل على أن (أنعمت) عليهم ايه . فثبت بهذه القسمه أن البسمله ليست بايه من الفاتحه ، وهذا من أدلة القائلين بهذا القول . ولو جعلنا البسمله ايه منها كان لله تعالى أربع ايات ونصف ، وللعبد ايتان ونصف وهذا يبطل التنصيف المذكور ، وما أجيب من أن التنصيف المذكور أنما هو المعنى لا فى عدد الايات ظاهر البعد ، وترك روايه مالك هؤلاؤ ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
ولما فرغ من ذكر ما قصد ذكره قال :-
21_ فان أنت حذفت الذى قد ذكرته تبرأ بعرض للقراءه مسندى
22_ ولا رب الا الله فاعبده مخلصا وصل على خير النبيين أحمد
فهذا ما يسره الله سبحانه وتعالى من الكلام على هذه القصيده . والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
كتبه خالد أبو الجود
24/9/2003
27 رجب 1425
من هجره الرسول